This post was originally published on الإندبندنت عربية
<p class="rteright">لا تزال "بريتيش بتروليم" ترزح تحت عبء الغرامات والتعويضات التي تحملتها بعدما فاقت 60 مليار دولار (أ ف ب)</p>
لم تمح كارثة انفجار منصة النفط والغاز البحرية في خليج المكسيك “ديب وواتر هواريزون” من أذهان العالم بعد، ليس بسبب كثرة عدد الضحايا من العاملين عليها أو حجم التسرب النفطي غير المسبوق في مياه المحيط والتلوث وتدمير الحياة البرية البحرية في المنطقة فحسب، ولكن بفضل الفيلم الذي أنتجته هوليوود حول الكارثة ويحمل اسم “المنصة” نفسها.
وما زالت شركة “بريتيش بتروليم” صاحبة المنصة المنكوبة، ترزح تحت عبء الغرامات والتعويضات التي تحملتها بعد أن فاقت 60 مليار دولار.
وكانت تلك الكارثة، وأسباب أخرى، سبباً في تراجع الاستثمارات في حقول النفط والغاز البحرية وقلة أعمال التنقيب والاستكشاف والاستخراج للوقود الأحفوري من المياه العميقة.
وأسهم في ذلك انتعاش إنتاج الغاز والنفط الصخري، خصوصاً في أميركا الشمالية، الذي زاد من إنتاج النفط الأميركي حتى أصبحت الولايات المتحدة حالياً أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 13.5 مليون برميل يومياً، أصبحت أميركا مصدراً للنفط والغاز، بعدما كان إنتاجها لا يسد حاجات استهلاكها محلياً، وتصدر الولايات المتحدة حالياً أكثر من 4 ملايين برميل يومياً.
مع ما يبدو من هبوط منحنى إنتاج الغاز والنفط الصخري في الآونة الأخيرة وتراجع المخاوف من تكرار كارثة انفجار منصة “ديب ووتر هورايزون” نتيجة التطورات التكنولوجية في بناء المنصات البحرية وتشغيلها عاد الاهتمام بالحقول البحرية والتنقيب والإنتاج من المياه العميقة كوجهة استثمارية لشركات الطاقة الكبرى، كما يشير عدد من شركات استشارات الطاقة.
تكنولوجيا وكفاءة
إلى ذلك بدأت شركات الطاقة الكبرى في ضخ مزيد من الاستثمارات في عمليات الإنتاج من حقول بحرية جديدة، بمباركة المساهمين في تلك الشركات مع تراجع فورة الإنتاج الصخري، كما ترى شركة “رايستاد إنرجي” للاستشارات في مجال الطاقة.
وبدأت منصات جديدة حديثة العمل قبالة سواحل دول في أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا، إذ يقول الشريك في “رايستاد انرجي” اسبن ارلينغسن عن توجه زيادة منصات الإنتاج البحري إن “هذه العودة ستجعل من السنوات المقبلة عقد الإنتاج من المياه العميقة”.
وتستخدم الشركات جيلاً جديداً من المنصات البحرية، مثل منصة “فيتو” للتابعة لشركة “شل” في خليج المكسيك التي نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تحقيقاً مطولاً عنها وعن العودة للإنتاج من الحقول البحرية مع أفول نجم إنتاج الغاز والنفط الصخري.
ويقول المدير في “شل” اريتيو اوموتوسو، إن “فيتو تمثل مستقبل الشركة في خليج المكسيك، إذ إنها منصة أخف وزناً وأصغر حجماً وتنتج منها انبعاثات أقل ومتقدمة تكنولوجياً جدياً عن جيل المنصات السابق”.
وبدأت منصة “فيتو” الإنتاج العام الماضي من عمق 150 متراً تحت سطح البحر، وتزن المنصة 22 ألف طن، أي ما يعادل ثلث وزن منصة “ابوماتوكس” للشركة نفسها التي بدأت العمل عام 2019، وصممت المنصة الجديدة ليكون على متنها 60 شخصاً، في مقابل 180 شخصاً على متن المنصة السابقة.
مع ذلك فإنها من قوة التشغيل لتنتج 100 ألف برميل من مكافئ النفط يومياً تمثل أكثر من 60 في المئة من إنتاج منصة “ابوماتوكس”.
يتحكم في كل العمليات على المنصة تقريباً من مركز تشغيلها الأرضي في مدينة نيو أورلينز، على بعد 150 ميلاً (240 كيلومتراً) شمال موقعها البحري.
ويستخدم المشغلون في مركز التحكم سماعات الواقع الافتراضي للتشغيل عن بعد، مما يجعل عدد العاملين في المنصة البحرية ذاتها أقل ما يمكن، وتفحص المسيرات (الدرون) العمليات الميدانية التي كان ينفذها العاملون من قبل.
كلف وأرباح
هذا التطور التكنولوجي يقلل أيضاً من كلف التشغيل والإنتاج، وبحسب تقديرات شركة “رايستاد” فإن كفاءة تشغيل المنصات البحرية الجديدة المتطورة عالية جداً. وعلى مدى 10 سنوات الأخيرة انخفضت الكلف إلى النصف تقريباً، إذ أصبحت كلفة إنتاج البرميل من نفط المياه العميقة عند ثمانية دولارات في مقابل 14 دولاراً للبرميل من قبل.
أيضاً التطورات التكنولوجيا في منصات النفط والغاز البحرية تتيح للشركات فرصة الإنتاج من أعماق غير مسبوقة في قاع البحار والمحيطات وتحت ضغط هائل أيضاً، إذ بدأت شركة “شيفرون” في شهر أغسطس (آب) الماضي الإنتاج من منصتها البحرية “أنكور” التي تبعد 130 ميلاً (209 كيلومتراً) عن منصة “فيتو” التابعة لـ”شل”، وتنتج المنصة من مستودع نفطي على عمق ستة أميال (9.5 كيلومتر) تحت سطح المياه.
ومشروع “شيفرون” البالغ كلفته 5.7 مليار دولار هو الأول في العالم الذي صمم لتحمل ضغط 20 ألف رطل للبوصة المربعة من المياه العميقة، وهو ما يزيد بمقدار الثلث عن أي ضغط تتحمله أية منصة بحرية سابقة.
وأدى التوجه مجدداً نحو التوسع في الإنتاج من الحقول البحرية إلى ارتفاع كبير في أسعار استئجار معدات الحفر البحري لتصل إلى أعلى مستوى لها في تسع سنوات بحسب بيانات شركة “ريغ لوجيكس”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقدر شركة “رايستاد انرجي” أن شركات الطاقة ستضخ نحو 104 مليارات دولار هذا العام من الاستثمارات في الإنتاج من الحقول البحرية، وهو أعلى رقم للاستثمار في القطاع منذ عام 2016 بزيادة بمقدار النصف عن عام 2020، ويتوقع أن تصل تلك الاستثمارات بحلول عام 2027 إلى 140 مليار دولار.
كذلك من مشاريع الإنتاج من المياه العميقة الواعدة تلك عند سواحل غويانا التي جعلت ذلك البلد الصغير أحدث الداخلين إلى نادي دول النفط، إذ تتنافس أكبر شركتين أميركيتين للطاقة على تلك المنطقة، وتسعى “أكسون موبيل” إلى حرمان منافستها “شيفرون” من امتياز في المنطقة حصلت عليه بصفقة استحواذها على شركة “هيس” التي تملك 30 في المئة من المشروع في غويانا بلغت قيمتها 53 مليار دولار.
وتملك “أكسون موبيل” 45 في المئة من المشروع ودخلت في نزاع قانوني مع منافستها باعتبارها الأولى بحصة “هيس”.
وتشير التوقعات إلى أن العائد من ذلك المشروع قد يصل إلى 170 مليار دولار بحلول عام 2040، وستتلقى غويانا ما يصل إلى 190 مليار دولار في تلك الفترة بحسب تقديرات شركة “وود ماكنزي”.
توسع ومعارضة
إضافة إلى مشاريع الإنتاج البحري في غويانا، تسعى شركات نفط عالمية ومحلية إلى زيادة الإنتاج من المياه قرب سواحل البرازيل وأنغولا، إذ بدأت شركة “توتال انرجيز” الشهر الماضي مشروعها الضخم “غران مورغو” بكلفة 10.5 مليار دولار في سورينام المجاورة لغويانا، وتوصلت شركتي “شل” و”توتال” مع الشركة البرتغالية “غالب” إلى اكتشافات نفطية هائلة قرب سواحل ناميبيا.
ويتوقع أن يستفيد التوسع في الإنتاج البحري من سياسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في السنوات الأربع المقبلة، إذ تبدو استراتيجية الطاقة للإدارة الجديدة مشجعة على زيادة إنتاج الوقود الحفوري على حساب التحول إلى مصادر الطاقة قليلة الانبعاثات.
في غضون ذلك تواجه سياسة التوسع في الإنتاج البحري معارضة من أنصار البيئة ومن نشطاء مكافحة التغيرات المناخية، إذ يرى خبراء البيئة أن الأضرار بالحياة البحرية يمكن أن يزيد مع التوسع في “إثارة اضطراب” قاع المحيطات، خصوصاً أن التكنولوجيا تساعد الشركات في التنقيب والاستخراج من أعماق أكبر.
في الوقت نفسه يقلل نشطاء المناخ من أهمية التطورات التكنولوجية التي تقلل انبعاثات منصات الإنتاج البحري، إذ يرى هؤلاء أن تقليل الانبعاثات لغاز الميثان، المصاحب للاستخراج، لا تؤثر كثيراً في تقليل ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ إن القدر الأكبر من تركيز الكربون يكون من حرق الوقود الأحفوري لدى الاستخدام الذي يشكل 85 في المئة من الانبعاثات، وليس من الغازات المصاحبة لعمليات الإنتاج.