اللاذقية عصية على النعرات الطائفية

This post was originally published on الإندبندنت عربية

<p class="rteright">يسود الخوف&nbsp;المجتمع السوري على رغم كل التطمينات التي تحاول الإدارة الجديدة بثها (اندبندنت عربية)<br />
<!–END copyright=441221–></p>

<p class="rteright"><!–END copyright=441221–></p>

يتمتع مجتمع مدينة اللاذقية الساحلية في سوريا بسمتين بارزتين هما البساطة والألفة، فالحياة في هذه المدينة هادئة تسير كهدوء البحر الذي منح أهلها صفاته، فكما تتوالى أمواجه وتتلاطم كذلك تتوالى الأخبار المنتشرة بين سكان هذه المدينة فيتداولون تلك المؤكدة وغير المؤكدة.

وفي اللاذقية تنام على خبر وموقف متشنج أسهمت في تأجيجه وسائل التواصل الاجتماعي، وتصحو على الهدوء وانجلاء ظلام ليل دامس بكل تبعاته، فترى الجميع يتوجه لعمله حاملاً معلومات تعتبر فتيل نار قد تحرق الأخضر واليابس، ولكن على الأرض يطفأ هذا الفتيل في لحظة تواصل إنسانية لطيفة، فالكل يعيش بتناغم تام مع بعضهم بعضاً وهم يقدمون العون والمساعدة لمن هو بحاجة، فطبيعة هذا المجتمع المختلط والمتآلف تطغى على الخوف الذي حضر كضيف ثقيل وفرض نفسه بالقوة.

الخوف من بعضنا

يجول عدنان في سيارة يعمل عليها وهو في عقده الـ 40 شوارع المدينة التي ألفها أكثر من منطقته الجبلية القرداحة التي تعرف بأنها مسقط رأس الرئيس السابق بشار الأسد وعائلته، وعند سؤاله عن الوضع فيها يجيب أن “الوضع غير مطمئن فالناس خائفون من بعضهم، وعلى رغم كل التطمينات التي تحاول الإدارة الجديدة بثها في المجتمع السوري ككل واللاذقية بخاصة لكن الخوف والحذر عنوانا هذه المرحلة بين الطائفتين السنيّة والعلوية”، متابعاً “نحن خائفون منهم وهم خائفون منا، صحيح أننا لا نظهر هذا ولكن في قرارة أنفسنا هذا هو الحال”.

وكحال معظم السوريين الذين لا يزالون تحت تأثير صدمة ما حصل فجر الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يطرح سائق السيارة أسئلة وجودية عدة بالنسبة إليه تشير في مضمونها إلى عدم القدرة على رؤية أفق ما تحمله الأيام المقبلة، فيقول “لدي شقيقان سقطا في الجيش، لأجل من ماتا؟ ولماذا ماتا؟ ما كل هذا الوهم الذي كنا نعيش فيه؟”. ويتابع “كانت زوجة أخي تعمل على أساس أن زوجها قتيل ولا معيل آخر لها، لكنها اليوم بلا عمل، فمن أين ستعيش هي وأطفالها؟ وكيف سنستطيع سد حاجات عائلاتنا المنكوبة؟”.

أهل بيت واحد

وفي زاوية أخرى من المدينة وتحديداً في منطقة الزراعة التي استوطنت فيها عائلة الأسد وجعلت لها في كل زاوية مكاناً وحرمت أهل المنطقة الحقيقيين من كثير من حقوقهم وحرياتهم، وفي أحد المنازل العلوية المتواضعة تجلس أم ماهر، وهي امرأة سنيّة محجبة في الخمسينات من عمرها، تقول “هذا المنزل منزلي اعتدت وأم لارا أن نشرب قهوتنا في الصباح ونلتقي عند المساء ونناقش تفاصيل حياتنا والمشكلات التي تعترضنا، ولقد ربيت بناتها كما ربيت أبنائي ولم أفكر يوماً أن هناك شيئاً يفرقنا وبخاصة الطوائف”. وعند سؤالها عن حالات التأجيج الطائفي التي يغذيها بعضهم تقول “نحن لم نعتد على هذا الخطاب ولم نعرفه وبخاصة هنا في اللاذقية، فالمجتمع مختلط ويعيش مع بعضه منذ زمن، فأثناء التجول في المدينة لا تلاحظ وجود حي يحوي فقط سكاناً من طائفة واحدة، بل ترى الجميع من أديان وطوائف عدة يتشاركون الحياة في الأحياء وفي الأفراح والأتراح، ويبحثون في المشكلات التي تعترضهم وأبناءهم”.

أم ماهر التي رفضت تقسيم المجتمع بين سنّي وعلوي أو مسيحي ذكرت أنها تحترم حريات جميع الأشخاص بمن فيهم أختها غير المحجبة، معللة ذلك بالتربية المجتمعية التي كانت سائدة بالانفتاح على الآخر.

وعلى رغم محاولات التهويل والتفرقة التي شذت عن القاعدة مع بداية الانتفاضة في سوريا والتي استخدمها النظام السابق ليبسط سيطرته على المجتمع باتباع سياسة التخويف من الآخر، لكنه لم ينجح إلا بنسبة ضئيلة، وعن هذا قالت أم ماهر “آنذاك حاول النظام أن يدخل الخوف إلى قلوبنا من بعضنا ولكننا تخطينا تلك المرحلة واليوم كذلك نحن أهل بيت واحد وما يصيب أحدنا يمس الآخر”.

وسائل التواصل تؤجج الصراع

وخلال السير في شوارع المدينة وأحيائها يُلاحظ أن الحياة تسير على قدم وساق وكأن شيئاً لم يكن، لكن وسائل التواصل لا شك تسهم بقوة في تأجيج النزعات الطائفية ومشاعر الخوف والقلق لدى الجميع، فهذا الفضاء المشرع على كل الاحتمالات والآراء لعدد كبير من الأشخاص بصفتهم الحقيقية وغير الحقيقية، إضافة إلى استخدام كل من له غاية وهدف ومصلحة في إشعال الشارع السوري، إما مصلحة أو حقداً، يتسلل بين المستخدمين، فما إن تقع حادثة هنا أو هناك وتعطى صبغة طائفية حتى تنتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل، مثل حادثة خروج عدد من أبناء الطائفة السنيّة في منطقة حي الصليبة في اللاذقية الذي يعرف بغالبيته السنيّة وهم يشتمون الطائفة العلوية، وحينها كانت الردود على أشدها وكادت أن تشعل النار في المدينة من دون معرفة من هؤلاء حقاً؟ وما عددهم؟ ومن ورائهم؟ إذ أعقب هذه الحركة تنديد واضح من أهل الحي ذاته الذين تبرأوا من الأصوات التي خرجت، مصرحين أنها لا تعبر عنهم ولا عن تاريخ الحياة الواحدة بين سكان المدينة.

وعلى رغم ذلك فإن الخوف ازداد في قلوب الطائفتين وبخاصة بعد حادثة أخرى في جبال ريف جبلة، إذ أعلن الضابط بسام ناصر الدين في الجيش السوري السابق خطفه عدداً من رجال الأمن، وقال في فيديو إنه سيقتلهم إن لم يلبوا مطالبه بانسحاب كل الغرباء الذين لا ينتمون إلى الساحل، مع الحفاظ على أهله من جميع الطوائف.

وفي تفاصيل أخرى قالت بعض المصادر إن الضابط الذي فجر نفسه لحظة مهاجمته لاستعادة المخطوفين تلقى اتصالات تقول له إن هناك أرتالاً قادمة لقتل عدد من أبناء الطائفة العلوية، وبعد موته خرجت أصوات تشيد به وبمطالبه، وأخرى ضده تندد بما فعله، إلى أن انجلت الحادثتان وعاد الوضع لطبيعته السابقة المعجونة بالخوف والحذر والترقب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الواقع مختلف

أما على أرض الواقع فالوضع مختلف ولا يشبه الجبهات المشتعلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما لمسه كثير من الموظفين وبخاصة أولئك الذين يعملون في مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، فبعد كثير من المشكلات التي تداولها الناس وبخاصة حالات الخطف والقتل، توجس كثيرون بالتوجه من اللاذقية إلى جبلة، وهذا حال المهندسة المعمارية سلمى التي مكثت في بيتها منذ لحظة سقوط النظام ولم تجرؤ على فتح باب منزلها، وعند الحديث معها قبل التغلب على خوفها والتوجه إلى وظيفتها قالت “أشعر بالخوف والاكتئاب، هل سأخسر عملي؟ وكيف سيكون حالنا في العمل ومن سأقابل هناك؟”.

وعلى رغم ذلك لملمت المهندسة قلقها وضبطت توترها لتكمل حياتها وتكتشف أن الهواجس التي كانت تسكنها قبل معاينة أرض الواقع كانت مضخمة جداً، وأن التهويل كان حاجزاً أمامها للعودة لعملها، وبسؤال سريع وموحد لعدد من المواطنين السوريين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم عن رؤيتهم للواقع، تتراوح أجوبتهم بين المندد والمستنكر وغير المرحب بما يحدث، فلسان حال الجميع الشكوى والتخوف المستتر خلف حياة تبدو طبيعية في الظاهر، لكن الحوادث التي تظهر بين ليلة وضحاها تعيد التوتر للواجهة حتى لو لم يكن المحرك سبباً طائفياً، فكل ما يشاع يبث الخوف في قلوب الناس على رغم رسوخ قناعاتهم بأنهم أبناء مدينة واحدة لم تعرف التفرقة يوماً، وأن ما يحدث الآن حال طارئة لا بد من عبورها بالوعي.

subtitle: 
تآلف تاريخي لمجتمع مختلط تهدده بعض النزاعات عبر وسائل التواصل
publication date: 
الاثنين, يناير 20, 2025 – 23:00