حظوة أهل فاس المغربية في السلطة والمال ما سرها؟

This post was originally published on الإندبندنت عربية

<p class="rteright">خرّجت مدينة فاس المغربية أسماء لامعة في عوالم الأدب والإبداع (وكالة الأنباء المغربية)</p>

استطاعت مدينة فاس في المغرب تخريج نُخب هيمنت لمدة طويلة وتزال على المناصب السياسية والوظائف الحكومية، كما تمكنت من بسط نفوذها في عالم المال والأعمال على مستوى البلاد.

وأفرزت مدينة فاس الواقعة شمال وسط المغرب، وثاني أكبر مدنه بعد الدار البيضاء، نخباً وشخصيات تسلقت هرم السياسة والسلطة والتجارة والاقتصاد، كما خرّجت أيضاً أسماء لامعة في عوالم الأدب والإبداع.

ويرى مراقبون أن حظوة الفاسيين في عالم السياسة والسلطة والمال والأعمال تعود لعوامل عدة على رأسها المسوغات التاريخية، مثل مراكمة العنصر الفاسي خبرة سياسية بفضل انحداره من الأندلس، كما أنها مدينة تتميز باحتضانها جامع القرويين الشهير، علاوة على موقعها الجغرافي الذي جعلها معبراً رئيساً للتجارة مع أوروبا إبان كثير من المحطات التاريخية للبلاد.

ظاهرة هيمنة الفاسيين

وتناولت دراسات وكتب عدة ظاهرة هيمنة النخب المتحدرة من مدينة فاس تحديداً على هرم السلطة والسياسة وعالم التجارة والمال في البلاد، ومنها المؤلف السوسيولوجي حسن قرنفل بعنوان “أهل فاس… المال والسياسة”، تطرق فيه إلى تطور نفوذ هذه النخب الفاسية داخل المنظومة الاجتماعية والسياسية في المغرب.

وتوجد أيضاً دراسة للأكاديمية أمينة المسعودي تناولت فيها سيطرة النخب الفاسية على الوظائف السياسية والحكومية السامية من حيث الأصول والمنافذ والمآل، خلال الفترة الزمنية الممتدة بين استقلال البلاد عام 1955 وحتى عام 1992.

وأوردت الدراسة المذكورة رقماً يبرز مدى هيمنة الفاسيين على المناصب الوزارية والحكومة طوال أعوام، فخلال 30 عاماً شكل الوزراء الفاسيون 34.1 في المئة من مجموع الوزراء المتعاقبين على الحكومات المختلفة، وتحديداً 67 وزيراً فاسياً من بين 196.

وتفوقت فاس على العاصمة الإدارية الرباط في وصول نخبها السياسية إلى أعلى سلالم السلطة والسياسة والمناصب الوزارية، ولم تنافسها في ذلك سوى منطقة سوس التي أفرزت نخباً بلغت شأناً كبيراً في مجالات السياسة والاقتصاد.

وتعرضت النخب الفاسية التي هيمنت على أسمى المناصب الوزارية لكثير من المواجهات للحد منها، وأبرزها محاولات وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري الذي شغل هذا المنصب طوال 20 عاماً بين عامي 1979 و1999.

وعمد وزير الداخلية المذكور إلى إغراق مختلف الإدارات العمومية بنخب قادمة من البادية ل مواجهة المد الفاسي في الوزارات والإدارات، كما أنه أصدر قرارات عدة اعتبرها كثيرون تصفية للحسابات ضد رجال أعمال فاسيين، وعلى رغم ذلك ظلت النخب الفاسية حاضرة وزاد حضورها بعد رحيل البصري عام 1999 إلى اليوم.

أسباب النفوذ

ويفسر الباحث السوسيولوجي محمد شقير ظاهرة الهيمنة الفاسية على السياسة والتجارة في المغرب بعوامل تاريخية تتمثل في كون العنصر الفاسي المنحدر من الأندلس قد راكم خبرة سياسية منذ استقرار المولى إدريس الأول في فاس، حيث قربهم إلى بلاطه فأصبحت النخبة الفاسية ملتصقة بالحُكم، بخاصة بعدما تحولت فاس إلى عاصمة سياسية، ولا سيما في عهد السلاطين المرينيين بعدما توالت الهجرات الأندلسية عقب طرد الإسبان للمورسكيين، مما زاد تقوية هذه النخبة في فاس وصارت متحكمة في دواليب الدولة، ليتواصل هذا الوضع في عهد السلاطين العلويين الحاليين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطرد شقير بأن “بناء جامع القرويين بفاس سمح لهذه المدينة أيضاً بالحصول على رصيد معرفي وعلمي مكنها من احتكار المجال الفكري والثقافي، إذ تشكلت هناك عائلات فاسية شهيرة في هذا المجال”، مردفاً أن “انتماء بعض العائلات من النخب الفاسية إلى طُرُق صوفية ودينية، من قبيل عائلة الكتاني، جعلها تراكم رصيداً رمزياً هائلاً ضاعف قوتها ورصيدها السياسي”.

ولم يفت الباحث نفسه الإشارة إلى أن “ممارسة عائلات فاسية التجارة باعتبار أن فاس لم تكن فقط عاصمة سياسية، بل أيضاً عاصمة اقتصادية بوصفها المعبر الأساس للتجارة مع أوروبا ومنها تصدر المنتوجات الأفريقية، أسهم في مراكمة بعض العائلات الفاسية ثروة كبيرة قوّت نفوذها الاقتصادي والسياسي، وأفضت إلى اختيار بعض أفرادها لتقلد مناصب وزارية ودبلوماسية مرموقة”.

وأكمل شقير أن نفوذ هذه العائلات استمر في عهد الحماية الفرنسية، إذ ترأس علال الفاسي ‘حزب الاستقلال’ الذي كان يعتبر أقوى حزب تحالف مع الملك الراحل محمد الخامس، وضمن بعد استقلال البلاد احتكار مناصب وزارية عدة في الحكومات التي تعاقبت على السلطة في المغرب”.

التكيف مع الأوضاع

من جانبه أفاد الكاتب والباحث المتخصص في شؤون مدينة فاس إدريس الجاي بأن “فاس لم تسهم فقط في تخريج نخب مؤثرة في مجال السياسة والمال والأعمال في المغرب، بل أيضاً في المجالات العلمية والدينية والثقافية والفنية”، مبرزاً أن هذا الوضع يعود لمراحل تاريخية منذ تأسيس فاس عام 808 للميلاد، إذ استقطب المولى إدريس صناعاً وحرفيين ومهندسين معماريين من الأندلس للإسهام في بناء وتوسيع المدينة والدولة الجديدة”.

واسترسل الجاي بالقول إنه “مع إنشاء جامعة القرويين اعتمدت عليها كل الدول المتتالية على حكم المغرب، في مدها بأطر الدولة من قضاة ومستشارين ووزراء وممثلين للدولة في الأقاليم والوفادات الدولية”، مضيفاً أنه تكونت حول القرويين وجامع الأندلس، كمركز ديني وعلمي، أسواق تجارية قريبة من مركز الصلاة الرئيس ودار الإفتاء، في حال حصول خلافات تجارية أو حرفية، إذ أغنى هذا النشاط التجاري والحرفي الوافدين إلى المدينة من كل بقاع العالم على اختلاف أصولهم ومعتقداتهم الدينية، سواء للعيش في المدينة أو المتاجرة فيها.

ووفق الباحث نفسه فقد بقيت فاس العاصمة التجارية لمعظم الدول التي حكمت المغرب، كما بقيت جامعة القرويين المصدر الأهم لتخريج الكوادر السياسية والدبلوماسية منذ تأسيس فاس وحتى عام 1912، مما جعل عائلات تتألق تجارياً وسياسياً إلى يومنا هذا”.

وأكمل الجاي بأنه “مع دخول الاستعمار الفرنسي البلاد تأقلمت أكثر هذه العائلات مع الوضع الجديد، فأرسلت أبناءها للدراسة في الجامعات الحديثة، بخاصة في فرنسا، كما نقلت تجارتها إلى المدينة الحديثة، الدار البيضاء، وانتقلت النخبة السياسية مع الملك إلى العاصمة الرباط مستفيدة من مناهج العالم الحديث في التجارة والسياسة، مما جعل هذه العائلات تتكيف مع العصرنة وتشق لها طريقاً في عالم المال والأعمال الحديث”.

subtitle: 
بسطت المدينة مكانتها في عوالم السياسة والاقتصاد ونخبها هيمنت على المناصب الحكومية
publication date: 
الأحد, سبتمبر 22, 2024 – 17:00