This post was originally published on الإندبندنت عربية
<p>بين خيام النازحين وفي ساحات المستشفيات وفي المقاهي الشعبية الصغيرة وفي شوارع المنطقة الإنسانية، احتشد سكان غزة فرحاً، وكأنهم للمرة الأولى يعيشون أجواء الاحتفالات (أ ف ب)</p>
احتشد سكان غزة في الشوارع ينتظرون خبراً مفرحاً، وبمجرد إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، هلل النازحون كثيراً، كبروا وصفقوا وهتفوا، ثم خروا للأرض سجداً، قطعت النساء هذه اللحظات بصوت الزغاريد التي عمت أرجاء غزة من الشمال إلى الجنوب.
لم ينم الأطفال في غزة مبكراً كما جرت العادة في أيام الحرب الدموية، ولم يلتزم الرجال خيامهم، بل انتشروا في الشوارع يهللون ويصرخون فرحاً، أما النساء اللاتي صبرن على ويلات الفقدان فهن أيضاً ظلت أعينهن مفتوحة تتطلع لليوم التالي لوقف إطلاق النار.
نجونا نجونا
بين خيام النازحين وفي ساحات المستشفيات وفي المقاهي الشعبية الصغيرة وفي شوارع المنطقة الإنسانية، احتشد سكان غزة فرحاً، وكأنهم للمرة الأولى يعيشون أجواء الاحتفالات، ويطوون 15 شهراً من القتال مرت وكأنها 15 عاماً.
لم تختلط مشاعر سكان غزة بالحزن، لكن ظل الفرح الممزوج بمشاعر البكاء هو وحده سيد الموقف الذي عبر عنه جميع الناجين من هذه الحرب، فلا مجال في هذه اللحظات إلا للفرح، وتابعوا تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار وهم مبتهجون جداً.
“نجونا والله نجونا” كان سكان غزة يهتفون، يقطعون ترديد هذا الشعار ليهللون فرحاً، يضحكون قليلاً ثم يصرخون “انتهت الحرب أخيراً” ووسط أجواء البهجة كان السكان يطلقون النار في الأجواء تعبيراً عن فرحتهم التي لا توصف بإعلان وقف إطلاق النار بين “حماس” وإسرائيل.
طبل وزغاريد
لم يهدأ سكان غزة، وخرجوا من خيامهم البالية المهترئة وسط تحليق طائرات الاستطلاع للتعبير عن سعادتهم بوصول حرب الإبادة والتجويع إلى نهايتها، كانوا يهللون ويضحكون ويهتفون ويلوحون بأيديهم، بعد 467 يوماً من الحرب.
محمولاً على الأكتاف، كان يردد وائل شعار “على بيت حانون… على بيت لاهيا”، في إشارة إلى المناطق التي تهجر منها أهل شمال القطاع، وبجانبه يقرع سفيان الطبل، احتفالاً بلحظات إعلان وقف إطلاق النار، والجميع من خلفه يردد الشعارات.
في زاوية أخرى، كان منير مشاركاً بالاحتفالات، لكنه يذرف الدموع على خديه، ويهلل على رغم ذلك، ويقول “أستذكر أمي التي قتلت بالحرب، كنت أتمنى أن أسمع صوت زغاريدها، وأن تعيش معنا لحظة الفرح بوقف أطول حرب مدمرة”.
سنعمر غزة
يبكي منير كثيراً وكأنه يخرج ما في جعبته من حزن مكدس، ويقول “الآن الجميع يعبر عن فرحته، لكنني خائف من صدمة الفقد المؤجلة منذ أشهر، استذكار الضحايا أمر صعب ومرهق نفسياً، لكن لا بأس ما دام نجونا من إبادة حتمية”.
بين الخيام تجلس فداء تتصفح هاتفها المحمول وتلتقط صوراً ومقاطع لمظاهر الاحتفالات، وتجهز نفسها لتسير على شارع البحر أهم مناطق شمال غزة، وتفطر الفلافل في ميناء غزة المدمر، حتى لو كانت المنطقة مدينة أشباح. وتقول “سنعمر غزة من جديد، ونبني أجمل مدينة في العالم، حزمت أغراضي القليلة في حقيبة، وأجهز لتفكيك الخيمة، لا أتخيل أنني سأعود لشمال غزة، حيث الشوارع التي أعرفها وبيوت الجيران تحولت إلى ركام، على رغم ذلك الوجع أنا سعيدة” تصمت قليلاً وتطلق زغرودة طويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا مجال للحزن
بعيداً من الطبل والتهليل يعرض شادي صور حارته التي وصلت إليه للتو وهي مدمرة، ويفركش أصابعه ويقول “اشتاقت لهذه المناطق حتى وهي مدمرة، ما دام فينا الروح سنبنيها، لا يأس اليوم، كل شيء فرح، هنا سعادة فقط”.
يحمل رامي مطرقته الصغيرة ويسير فيها وسط خيام النازحين، ويهتف بصوت عال “سأبكي هذا أمر حتمي، لكن سأفك خيمتي وأذهب إلى مدينة غزة، أنا ومطرقتي جاهزان ليوم العودة الكبير لتراب شمال غزة الجميل بكل تفاصيله”.
لا مجال للحزن اليوم، يقول نادر، ويصف البكاء على المفقودين بأنه “رفاهية”، وأن الوقت الحالي مخصص للفرح والتهليل ولملمة الجراح لها وقتها بعد ذلك، لأن فرحة انتهاء الحرب لا مثيل لها.
ليلة عيد
“كأنها ليلة عيد” هكذا تصف بتول فرح سكان غزة باتفاق وقف إطلاق النار، وتقول “مشهد تهليل الناس مفرح للغاية، هذه المشاعر نسيت طعمها قديماً، أشعر كأن الناس هنا فرحين حقاً من أعماقهم، كل الناس مبسوطة وتضحك”.
“غزة رقصة الذبيح” بهذه العبارة بدأت ريهام حديثها وتابعت “الناس فرحة وسعيدة للغاية ترقص وتضحك، على رغم أنهم يعرفون أن لا منازل تحتضنهم لا شوارع ولا وظائف، على رغم كل هذا سنضحك وستنتهي الإبادة”.
شهدت شوارع غزة صرخات فرحة تعكس حقاً حب الفلسطينيين للحياة والسعادة والبحث عن السلام والنجاة، وجسدت مظاهر الأمل بعد طول عناء نموذجاً لسعادة السكان الحقيقية، وكأن الفرح عاد لهم للمرة الأولى.
يقول سالم “الشعور مختلط للغاية، لكن الغالب هو فرحة الناس بالخروج من الموت، وعودتنا لحياتنا الطبيعية، اليوم تاريخ لن ينسى في غزة كأحد الأيام التي تردد فيها الأمل بانتظار خبر قد يعيد إحياء الآمال لنحو مليوني مواطن يحبون الفرح والسلام”.
ويتحدث رائد عن رغبته في البقاء الأبدي داخل غزة، ويقول “مدينتي الآن مدمرة، أصبحت غير صالحة للسكن، لكن سأبقى فيها لن أغادر أبداً، ولن أقبل بالتوطين في أي مكان آخر، أتمنى أن يسود السلام هنا، وأن ينتهي هذا الحزن إلى الأبد”.