مناورات اتفاق غزة… نتنياهو يكسب تماسك ائتلافه بضمانة أميركية

This post was originally published on الإندبندنت عربية

<p>يعد محور فيلادلفيا أبرز ما تراجع عنه نتنياهو (أ ف ب)</p>

حتى الساعة الثالثة من فجر اليوم الجمعة، استمرت مفاوضات جسر الخلافات بين “حماس” وإسرائيل في بعض النقاط المختلف عليها للتوقيع على صفقة الأسرى، التي ستخرج إلى حيز التنفيذ الأحد المقبل.

ساعات طويلة خلال يومي أول من أمس الأربعاء وأمس الخميس دار خلالها نقاش ونشبت خلافات في قطر أدت بداية إلى تأخير الإعلان الرسمي عن الصفقة لساعتين، ثم صباح أمس أُجِّل اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر الإسرائيلي الذي كان يُنتظر عقده ساعات الصباح، إلى اليوم، وكذلك اجتماع الحكومة للمصادقة على الصفقة وإنهاء الإجراءات الرسمية الضرورية لضمان إخراجها للتنفيذ.

أراد نتنياهو بتأجيله المصادقة الرسمية ضمان مساحة من الوقت في مناورته الداخلية أمام وزير المالية بتسلئيل سموتريش الذي هدد بالاستقالة، إذا صُوِّت على الصفقة باعتبارها “كارثة لأمن إسرائيل لعدم عودة الجيش إلى القتال مع انتهاء المرحلة الأخيرة منها”.

وظهر اليوم تنفس نتنياهو الصعداء، فقد وجد الطريقة لضمان وزير المالية داخل حكومته في صفقة سيدفع ثمنها فلسطينيو الضفة والقدس، فعقد اجتماع المجلس الوزاري المصغر الذي صادق على الصفقة ثم الحكومة، ليخرج منهما وقد ضمن نقاطاً رابحة له من صفقة الأسرى هذه، على رغم المعارضة الواسعة والاحتجاجات الإسرائيلية على سياسته وتحميله مسؤولية عودة عشرات الأسرى جثثاً بعد مقتلهم داخل الأنفاق لعرقلته الصفقة منذ أشهر طويلة، وفق منتدى عائلات الرهائن.

بند جديد

بإعلانه صباح أمس تأجيل اجتماع المجلس الوزاري الأمني، اتهم نتنياهو حركة “حماس” بالتراجع عن التزاماتها في الاتفاق، لكن هذا الإعلان المفاجئ أثار نقاشات داخلية فأعقبه تصريح من مسؤول سياسي مطلع على التفاصيل، أكد فيه أن التأجيل يعود إلى تهديدات سموتريتش بالانسحاب من الحكومة ونتنياهو لا يريد عرض الصفقة للتصويت قبل ضمان بقاء وزير ماليته في الائتلاف الحكومي.

وعلى مدار أكثر من 24 ساعة عمل نتنياهو على خطي المناورة، أمام الوفد المفاوض في الدوحة لضمان الصفقة وأمام سموتريتش في الداخل لضمان حكومته، وفي نهايتها حقق ما يريد لكنه لم يكتف بطرح صفقة الأسرى في اجتماع المجلس الوزاري للتصويت عليها، بل ناقش أبرز بنود صفقته مع سموتريتش وهي إضافة بند جديد للحرب بالقضاء على التنظيمات الفلسطينية في الضفة ضمن خطة واسعة وشديدة، ودعا الأجهزة الأمنية لعرض الخطة في الاجتماع وكانت تلك وسيلة أيضاً لتعزيز وعوده وزير المالية، ولكن الأهم من هذا بالنسبة إلى نتنياهو الإعلان أمام الوزراء بأنه حصل على ضمانات من بايدن وترمب بعودة إسرائيل إلى القتال في غزة بكل قوة، وبدعم من الولايات المتحدة إذا فشلت المفاوضات حول المرحلة الثانية ولم تقبل “حماس” بمطالب إسرائيل الأمنية، وفق نتنياهو.

هذه الضمانات التي حصل عليها سموتريتش إلى جانب الموافقة على تنفيذ مشاريعه الاستيطانية في الضفة أبقته داخل الائتلاف الحكومي، لكنها لم تقنعه بالتصويت إلى جانب الصفقة.

كواليس الدوحة

أما في مناورته أمام وفد المفاوضات بالدوحة فهناك، ووفق ما ادعى نتنياهو، قبل دعوته اليوم لاجتماع المجلس الوزاري حققت إسرائيل إنجازاً خارقاً بالتمسك بمطالبها المتعلقة بفرض الفيتو على أسرى فلسطينيين يقضون حكم المؤبد في السجون الإسرائيلية، سواء بعدم شمل الصفقة معظم الأسماء التي فرضت عليها الفيتو أو بنفي معظمهم إلى خارج إسرائيل.

“معارك شرسة دارت داخل غرفة المفاوضات”، هكذا وصف مسؤول إسرائيلي مفاوضات الساعات الأخيرة بين “حماس” وإسرائيل. فقد أصرت إسرائيل على رفضها بعض أسماء أسرى فلسطينيين، كانت رفضت “حماس” التنازل عنهم واستغرق وقت النقاش حول كل أسير وأسيرة فترة طويلة، فقد عارضت إسرائيل إطلاق سراح رؤساء تنظيمات فلسطينية، وقيادات لتنظيمات عسكرية وأيضاً من خططوا لعمليات ومن نفذ بعض العمليات، ووضعت معايير خاصة لجيل الأسير الذي ستشمله الصفقة، وبموجبها كانت الأفضلية للأسرى المصابين بأمراض خطرة.

كذلك تسجل إسرائيل ضمن إنجازات مفاوضاتها رفض إطلاق سراح ألف أسير من غزة اعتُقلوا بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأبقتهم في السجن، على رغم براءتهم من التهم الموجهة إليهم بمشاركتهم في أحداث السابع من أكتوبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق ما أوضح مصدر أمني فقد أبقتهم إسرائيل في الأسر ضمن التخطيط لشملهم في هذه الصفقة “وبذلك يكون لديها عدد كبير من الأسرى الذين لا تعدهم خطرين لشملهم الصفقة، ومنع الإفراج عمن يقضون عشرات الأعوام بعد إدانتهم بعمليات خطرة”.

ووضعت إسرائيل أفضلية لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مصابين بأمراض خطرة في السجون الإسرائيلية، ومن دينوا بعمليات ضد إسرائيل كانت نتيجتها أقل عدد من القتلى والجرحى أو كما وصفتهم تل أبيب “من تلطخت أيديهم بأقل ما يمكن من الدماء”.

ومما يتفاخر به الإسرائيليون أنه خلال مفاوضات الساعات الأخيرة وضع الوفد أمامه هدف “عدم السماح لـ’حماس‘ بالحصول على أي أسير من قائمة الفيتو التي يطالب بها المسؤولون الأمنيون، وحققوا نجاحاً في بعض الأسماء، وفق ادعاء الإسرائيليين الذين لفتوا إلى أن الصفقة تشمل خمسة من ستة أسرى ممن هربوا من سجن جلبوع في عملية أطلق عليها “نفق الحرية”، وشددوا أن زكريا الزبيدي ليس منهم.

جانب آخر أصرت عليه إسرائيل هو عدم شمل هذه الصفقة أي أسير لديها من النخبة في “حماس”. وبحسب مصدر أمني إسرائيلي، تجاوبت في هذه المفاوضات حركة “حماس” مع مطلب الإفراج عن تسعة أسرى جرحى بعد مناقشات وضغوط في مقابل الإفراج عن القيادي في فتح مروان البرغوثي المحكوم بخمسة مؤبدات، على أن ينفى إلى قطر مباشرة عند الإفراج عنه.

في المحصلة تبلورت القائمة التي ستشملها الصفقة وسيطلق سراح 33 أسيراً وجثة من غزة مقابل 1977 أسيراً أمنياً فلسطينياً بينهم 1000 ممن اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر ولم يشاركوا في أحداثه و250 ممن يقضون أحكام المؤبد و210 من النساء والقاصرين والبقية بينهم من يقضي عشرات الأعوام وكبار السن والمرضى.

بعد التوقيع على قائمة الأسرى والاتفاق سافر إلى القاهرة اليوم وفد من إسرائيل ليشارك في ترتيبات تنفيذ الصفقة، حيث سينقل الأسرى الإسرائيليون من غزة إلى مصر ومن هناك يسلمهم الصليب الأحمر لإسرائيل.

تنازلات على الورق

إزاء الغضب الإسرائيلي على عرقلة نتنياهو الصفقة لأشهر طويلة ثم ترويجه لتحقيق ما طالب به، أكد أكثر من مصدر مطلع على المفاوضات أن رئيس الوزراء تراجع عن معظم الشروط التي وضعها في جولات المفاوضات السابقة التي جرت خلال العام الماضي.

وعدَّ المتخصص العسكري رونين بيرغمان الثمن الذي دفعه الأسرى وعائلاتهم وأيضاً الجنود الذين قتلوا في غزة خلال الأشهر الأخيرة، كان من أجل تحقيق نتنياهو أهدافه السياسية والحزبية الشخصية.

ويعد محور فيلادلفيا أبرز ما تراجع عنه نتنياهو، وذلك بعد إصراره لأشهر طويلة عرقل خلالها صفقة الأسرى على عدم انسحاب أي جندي من هناك، لكن الاتفاق نص على الانسحاب خلال اليوم الأخير منها مع تسلم إسرائيل آخر أسير أو جثة.

في حينه، قال نتنياهو لمقربيه “هناك أمور يحظر الموافقة عليها. وثبت أنه عندما تصر دولة إسرائيل على مطالبها، فإن ’حماس‘ تتنازل”، ويقول بيرغمان متهكماً “لقد تحققت توقعات نتنياهو بصورة شبه دقيقة لكنه أخطأ فقط في معرفة الجانب الذي سيتنازل. فقد أصرت إسرائيل على الوجود في محور فيلادلفي إلى حين اضطرها شيء ما أو أحد ما إلى التنازل”.

وتراجع نتنياهو عن كل ما يتعلق بشروطه بعودة سكان الشمال إلى بيوتهم، إذ باشر الجيش قبل أكثر من شهر في إعداد المنطقة لتنفيذ خطة “الجنرالات” التي تقضي بإخلاء المنطقة كلياً من السكان وتحضيرها لتكون بداية تجربة لبقاء الجيش بمناطق في غزة، لكن في الاتفاق الحالي سيعود سكان الشمال حتى من دون تفتيش، فيما يقتصر التفتيش على المركبات من قبل شركة خاصة بموافقة الجانبين.

وفي ما يخص معبر رفح، وبعد أن أصر نتنياهو على بقاء إسرائيل فيه مما خلق أزمة وتوتراً في العلاقة مع مصر، نص الاتفاق ليس فقط على انسحاب تل أبيب بل ستسمح بنقل مصابي حركة “حماس” عبره للعلاج في مصر بمعدل 50 مصاباً يومياً.

subtitle: 
قال إنه حصل على تعهدات بعودة إسرائيل إلى القتال في غزة إذا فشلت المفاوضات
publication date: 
الجمعة, يناير 17, 2025 – 23:15