This post was originally published on الإندبندنت عربية
<p class="rteright">أزمة الإسكان تتفاقم والإيجارات تلتهم أكثر من ثلث دخل الأسر الأميركية (أ ف ب)</p>
كان الفوز الحاسم الذي حققه دونالد ترمب في الانتخابات يدور حول أشياء كثيرة، منها الرفض العالمي للرؤساء الحاليين وارتفاع عدد الناخبين الجمهوريين والمعركة من أجل مستقبل الديمقراطية الأميركية، لكن الناخبين قالوا مراراً وتكراراً إن القضية الأولى في هذه الانتخابات هي الاقتصاد مما يفسر كثيراً سبب إعادة انتخاب ترمب.
ووفقاً لعديد من المقاييس الرئيسة فإن الاقتصاد الأميركي مشتعل ويثير حسد بقية دول العالم، لكن الأميركيين ما زالوا ينظرون إلى الأمر بصورة أخرى، ويلقي عدد كبير من الناخبين اللوم على الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس للإخفاق في إدخال تحسينات كافية على الأوضاع المالية للأميركيين على مدى الأعوام الأربع الماضية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين لديهم آراء سلبية إلى حد كبير في شأن الاقتصاد الأميركي، وذلك لأن المعنويات الاقتصادية لا تتطابق دائماً بصورة جيدة مع البيانات التي تظهر أن الاقتصاد يضيف وظائف، والإنفاق الاستهلاكي آخذ في النمو والناتج المحلي الإجمالي (المقياس الأوسع للاقتصاد) مستمر في الازدهار.
وعندما تدفع مقابل فنجان من القهوة وأنت متضرر أو عندما لا تستطيع شراء منزل، فإن هذه البيانات لا معنى لها، ومن ثمَّ تشعر بأنك مستبعد من الحلم الأميركي.
أزمات الإسكان والإيجارات وأسعار السلع تتفاقم
وفي سوق الإسكان وصلت أسعار المنازل إلى مستويات قياسية جديدة بعد مواصلة الصعود لمدة 15 شهراً على التوالي، وهذه أخبار رائعة إذا كنت تمتلك منزلاً بينما ليست رائعة إذا لم يكن لديك منزل، خصوصاً مع بقاء معدلات الرهن العقاري مرتفعة بصورة عنيدة (أقل من سبعة في المئة).
وهذا هو السبب وراء تغيير مستوى قياسي بلغ 2.5 في المئة من المنازل لأصحابها هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ 30 عاماً وفقاً لبيانات شركة “ريدفين”.
أيضاً فإن الإيجار لا يقدم كثيراً من الراحة، ونحو نصف المستأجرين الأميركيين أنفقوا أكثر من 30 في المئة من دخلهم على الإيجار خلال عام 2023. وتعد الأسر التي تنفق أكثر من 30 في المئة من دخلها على الإيجار أو أقساط الرهن العقاري أو كلف السكن الأخرى “تكلفة مثقلة” من قبل وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأميركية.
وساعدت أزمة القدرة على تحمل كلف الإسكان في تفاقم فجوة الثروة في أميركا، مما أدى إلى تعرض الأشخاص الذين يضطرون إلى الانتقال أو لا يملكون منزلاً إلى مأزق مالي، لكن عديداً من الأشخاص الذين لا يعانون الفقر يكافحون أيضاً من أجل العيش ويرجع ذلك بصورة كبيرة إلى كلفة العيش في منزل، إذ إن خمس الأسر الأميركية التي تكسب أكثر من 150 ألف دولار سنوياً تحصل عليها عبر أكثر من راتب، وفقاً لاستطلاع حديث أجراه بنك “أوف أميركا”.
وخلال الوقت ذاته فإن التضخم يعود إلى طبيعته لكن هذا لا يعني أن الأسعار آخذة في الانخفاض، بل إنها لا ترتفع بالمستوى المقلق الذي كانت عليه قبل عامين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأصبحت الأسعار الآن أعلى بنحو 20 في المئة مما كانت عليه عندما تولى بايدن منصبه، مما يترك للأميركيين تذكيراً يومياً بحجم التضخم الكريه في كل مرة يذهبون خلالها إلى المتجر.
وتراجعت أسعار الغاز بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، إذ انخفضت من متوسط قياسي مرتفع يزيد على خمسة دولارات خلال عام 2022 إلى أقل من ثلاثة دولارات للغالون داخل عديد من الولايات الآن.
وساعد ذلك، ولكنه لم يحل مشكلات التضخم التي لا يزال عديد من الأميركيين يواجهونها على أساس يومي.
أيضاً فإن كثيراً مما تشعر به تجاه الاقتصاد يعتمد على سياستك، وعدد الجمهوريين المسجلين في أميركا آخذ في الازدياد.
ووجدت دراسة حديثة أجراها معهد “بروكينغز” وجود علاقة بين المعنويات الاقتصادية والانتماء السياسي للحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. فعندما تولى ترمب منصبه ارتفعت المعنويات الاقتصادية لدى الجمهوريين في حين انهارت المعنويات الديمقراطية، بينما حدث العكس عندما تولى بايدن منصبه، ولكن من المرجح أن يعتقد الجمهوريون أن الاقتصاد جيد عندما يكون جمهوري في منصبه أكثر من الديمقراطيين عندما يتولى ديمقراطي البيت الأبيض، والعكس صحيح أيضاً.
“ترمب” يرث اقتصاداً قوياً على الورق
ومع ذلك سيرث ترمب اقتصاداً قوياً ولكن على الورق فحسب، وأكبر مؤشر للأمن الاقتصادي هو ما إذا كان لديك وظيفة أم لا، وهناك نسبة عالية تاريخياً من الناس يعتقدون في ذلك.
وعلى رغم أن معدل البطالة ارتفع خلال العام الماضي عند مستوى 4.1 في المئة فإنه يظل عند مستوى صحي للغاية، إذ يرتفع بصورة تدرجية من أدنى معدل بطالة منذ الهبوط الأول.
وتباطأت آلة خلق فرص العمل في الاقتصاد الأميركي هذا العام خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة. وخلال الشهر الماضي أضاف الاقتصاد 12 ألف وظيفة فحسب، ومع ذلك يواصل الاقتصاد إضافة متوسط شهري قدره 170 ألف وظيفة هذا العام وهو تقريباً بالضبط العدد الذي أضافه الاقتصاد خلال الأعوام الثلاثة الأولى لإدارة ترمب، قبل أن يضرب كوفيد (175 ألف وظيفة شهرياً).
ولا تزال الشركات تطلب بشدة العمال، لدرجة أن عدد قوائم الوظائف أكبر من عدد الباحثين عن عمل، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأميركي.
وبالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي وهو المقياس الأوسع للاقتصاد الأميركي فإنه مزدهر، وقبل أيام أفاد مكتب التحليل الاقتصادي بأن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل سنوي معدل موسمياً 2.8 في المئة خلال الربع الأخير.
وهذه وتيرة صحية بكل المقاييس وتتساوى مع التوسع الاقتصادي خلال إدارة ترمب، عندما كان الناس يشعرون بتحسن كبير في شأن حال الاقتصاد.
ويظل النمو الاقتصادي الأميركي المتوقع لهذا العام هو الأقوى بين أي اقتصاد من اقتصادات مجموعة السبع، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وأيضاً لم تعد رواتب العمال تزدهر كما كانت قبل عامين عندما كان التضخم خارج المسار بالفعل، لكنها لا تزال تنمو بمعدل 3.9 في المئة، وفقاً لوزارة العمل.
ولا يزال هذا مقطعاً أسرع من التضخم، مما يعني أن حجم الأموال التي يتعين على الأميركيين إنفاقها آخذ في الازدياد.
ووفق مكتب الضرائب البريطاني ارتفع نصيب الفرد من الدخل المتاح المعدل بحسب التضخم للشهر الـ27 على التوالي، وهي أطول فترة على الإطلاق.
وعلى رغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى عكس ذلك فإن المستهلكين يتصرفون وكأن الاقتصاد عظيم.
ويشهد الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد الأميركي ارتفاعاً، إذ زاد 3.7 في المئة خلال الربع الأخير من العام الحالي، وهو أعلى معدل نمو منذ الربع الأول من عام 2023.
وخلال الوقت نفسه فإن ثقة المستهلك آخذة في الارتفاع، فقد ارتفعت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بأكبر قدر خلال أي استطلاع منذ مارس (آذار) 2021، ومع ذلك فإنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه قبل الوباء، خلال فترة ولاية ترمب الأولى.