This post was originally published on الإندبندنت عربية
<p>جاء التأخير على حساب آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، والألم المستمر لعائلات الأسرى وتحول غزة إلى أرض قاحلة لا تصلح للعيش (أ ف ب عبر غيتي)</p>
لا شك أن إحساس الارتياح كبير بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة- لكن الحزن غامر كذلك. فما من سبب حقيقي لعدم التمكن من إبرام هذه الصفقة أو صفقة شبيهة بها، حين طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن على طاولة البحث المرة الأولى في مايو (أيار) الماضي.
“فالنقاط الشائكة” التي برزت عندها لم تتغير بشكل ملموس في الأشهر التي مرت منذ ذلك الحين. بينما جاء التأخير على حساب آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، والألم المستمر لعائلات الأسرى وتحويل قطاع غزة الفقير لكن النشط إلى أرض قاحلة لا تصلح لعيش البشر.
وقد تكبد الأطفال أعظم المآسي. ويبدو من الواضح أن جرائم حرب قد ارتُكبت، تماماً كما ترقى سلسلة الأحداث التي أججت هذه الحقبة تحديداً في الشرق الأوسط يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى مستوى فظائع إرهابية وإعلان حرب.
وبغض النظر عما يمكن قوله عن حتمية الأحداث اللاحقة، كان على دولة إسرائيل ألا تضع نفسها أبداً في موقع يؤذن بمحاكمتها بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في المحكمة الدولية.
ويشير التوقيت إلى أن دونالد ترمب هو الذي أحدث هذا الفارق وإن كان قد جنى ثمار أشهر طويلة من المفاوضات المحبطة التي أجرتها إدارة بايدن. وبالمقابل، يبدو أن سلاطة لسان ترمب وتهديداته بشأن ضرورة إطلاق سراح المحتجزين قبل يوم تنصيبه (الإثنين المقبل) كانت على ما يبدو العامل الذي أنجح هذه الصفقة في الأخير- أثناء ولاية جو بايدن.
سواء أراد بنيامين نتنياهو أن يؤخر المواضيع كي يقدم وقف إطلاق النار كهدية ترحيب بترمب ومهما كانت الحسابات التي تدور في خلد من تبقى من قيادة “حماس”، فبايدن هو من يمكنه أن ينسب إلى نفسه الفضل في هذا الاتفاق وليس ترمب، مع أنه لا شك في أن ترمب سيزعم أن هذا إنجازه.
لا يهم. بل ما يهم هو أن الحرب توقفت لبرهة- وأن المعارك الثانوية المرتبطة بها في الضفة الغربية وجنوب لبنان مع “حزب الله” ومع الحوثيين في اليمن والإيرانيين من المفترض أنها ستهدأ وإن لم تنته، في الوقت الراهن.
مع دخول مراحل الاتفاق حيز التنفيذ على امتداد الأسابيع والأشهر المقبلة، يعلمنا التاريخ أن العملية لن تكون سلسة – إذ سوف تحدث خروقات ومحاولات تأخير. لكنها فعلياً لحظة الأمل الأولى منذ ذلك اليوم الرهيب الذي قُتل فيه عدد كبير من الشباب في الحفل الموسيقي والكيبوتزات. ما الذي يمكن أن نرجوه؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مرة جديدة، إن كنا نحاول التفاؤل، فعلينا أيضاً أن نحسب في هذا الوقت تأثير عامل ترمب. قد يلجأ ترمب إلى نوع الدبلوماسية غير المشروطة التي مارسها خلال ولايته الأولى: مع إسرائيل، ظالمة كانت أم مظلومة. لقد كان ترمب من منح نتنياهو كل ما أراده وحقر المسلمين والعرب واعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها تأكيداً على هذا الاعتراف.
لكن كان هناك أيضاً الرئيس ترمب الذي أبرم اتفاقيات أبراهام ووسع عملية تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الإسرائيلية مع جيران إسرائيل العرب- وأهمهم السعودية. وتلك كانت العملية التي تأخرت ثم دمرت بسبب إرهاب “حماس”، ولا شك أنهم أملوا في أن تكون هذه نتيجة أفعالهم القاتلة.
سوف يضفي وقف إطلاق النار في غزة وتحييد إيران سياقاً مختلفاً على دبلوماسية ترمب ووزير خارجيته الجديد ماركو روبيو ومبعوثه الجديد إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي كان منهمكاً مع الأطراف في قطر. إن أراد ترمب الذي يسمي نفسه سيد فنون الصفقات أن يعيد اتفاقات إبراهام ويعقد شراكة جديدة بين إسرائيل والسعودية- وهي جائزة جيوسياسية هائلة وتاريخية- فلا بد أن يقبل بالمطلب الأهم الذي على السعوديين طرحه: وهو التزام أميركي مثبت وغير قابل للتغيير بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع إسرائيل في إطار حل الدولتين الكلاسيكي.
حتى لو كان ترمب لا يأبه كثيراً بحصول الفلسطينيين على دولتهم من عدمه، فهو يكترث فعلاً لإبرام أهم صفقة تنهي الصراع في الشرق الأوسط وتعزل إيران وتزيد تهميش حلفاء إيران الإرهابيين.
قد يكون ضرباً من الخيال أن لم نقل سخافة، لكن تخيلوا لو شعر ترمب أثناء مشاركته في الجنازة الرسمية لجيمي كارتر باندفاع أو حتى إلهام لتقليد اتفاقات كامب ديفيد التي أُبرمت بين عدوين لدودين في ذلك الحين هما مصر وإسرائيل. ربما يحلم ترمب حتى بالحصول على جائزة نوبل للسلام. لا شك أن تفوقه على بايدن وأوباما وبوش وكلينتون ونجاحه حيث فشلوا للأسف مسألة تدغدغ غروره. إن أداء ترمب دور صانع السلام تصور غير مرجح لكن يبدو أن الدور يروق له.
طبعاً، إن النتيجة الأقرب إلى الحدوث هي هدنة فوضوية يتخللها تهديد دائم بانفجار إرهابي آخر وحرب أخرى تجر إسرائيل وأميركا وإيران وروسيا أكثر نحو مواجهة مباشرة لا يمكن احتساب عواقبها الوخيمة. لكن، كما أقول دائماً، تشكل أي هدنة لحظة تغيير والأمل موجود دائماً.
ولا بد من الأمل.